كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وعن ابن عباس: أراد توبوا مما كنتم تفعلونه في الجاهلية لعلكم تسعدون في الدنيا والآخرة. قال جار الله: من قرأ {آية المؤمنون} بضم الهاء فوجهه أنها كانت مفتوحة لوقوعها قبل الألف، فلما سقطت اللف لالتقاء الساكنين أتبعت حركتها حركة ما قبلها.
الحكم السادس: النكاح وذلك أنه حين أمر بغض الأبصار وحفظ الفروج ارشد بعد ذلك إلى طريق الحل فيما تدعو إليه الشهوة. وأصل الأيامى أيايم فقلب الواحد أيم بتشديد الياء، ويشمل الرجل والمرأة. قال النضر بن شميل: الأيم في كلام العرب كل ذكر لا أنثى معه وكل أنثى لا ذكر معها وهو قول ابن عباس في رواية الضحاك يقول: زوِّجوا اياماكم بعضهم من بعض.
وقد آم وآمت وتأيما إذا لم يتزوجا بكرين كانا أو ثيبين. قال: فإن تنكحي أنكح وإن تتأيمي وإن كنت افتى منكم أتأيم. وظاهر الأمر الوجوب إلا أن الجمهور حملوه على الندب لأنه لو كان واجبًا لشاع في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم وانتشر، ولو انتشر لنقل لعموم الحاجة إليه. وقد ورد في الأخبار التصريح بكونه سنة كقوله صلى الله عليه وسلم: «النكاح سنتي» وكقوله صلى الله عليه وسلم: «من أحب فطرتي فليستسن بسنتي وهي النكاح» وقد أجمعوا على أن الأيم الثيب لو أبت التزويج لم يكن للولي إجبارها عليه. واتفقوا على أن السيد لا يجبر على تزويج عبده أو أمته. نعم قد يجب في بعض الصور كما إذا التمست التزويج من الولي فعليه الإجابة إذا كان الخاطب كفؤًا. استدل الشافعي بعموم الآية على جواز تزويج البكر البالغة بدون رضاها وإعترض أبو بكر الرازي بأن الأيامى شامل للرجال والنساء وحين لزم في الرجال تزويجهم بإذنهم فكذا في النساء ويؤيده ما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال «البكر تستأمر في نفسها وإذنها صماتها» وأجيب بأن تخصيص النص لا يقدح في كونه حجة في الباقي. والفرق أن الأيم من الرجال يتولى أمر نفسه فلا يجب على الولي تعهده بخلاف المرأة فإن احتياجها إلى من يصلح أمرها أظهر، على أنا لا نسلم أن لفظ الأيامى عند الإطلاق يتناول الرجال، وفي تخصيص الآية بخبر الواحد أيضًا نزاع. واستدل ابو حنيفة بعموم الآية أيضًا على أن العم والأخ يليان تزويج الثيب الصغيرة ونوقش فيه. قال الشافعي: من تاقت نفسه إلى النكاح استحب له أن ينكح إذا وجد أهبة النكاح وإلا فليكسر شهوته بالصوم لما روى عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فإن الصوم له وجاء» والذي جاء لا تتوق نفسه إلى النكاح لكبر أو مرض أو عجز أو كان غير قادر على النفقة يكره له أن ينكح لأنه يلتزم مالا يمكنه القيام بحقه، وإن لم يكن به عجز وكان قادرًا على القيام بحقه لم يكره له أن ينكح لكن الأفضل أن يتخلى لعبادة الله تعالى. وقال أبو حنيفة: النكاح افضل. حجة الشافعي أنه تعالى مدح يحيى بقوله: {وسيدًا وحصورًا} [آل عمران: 39] والحصور الذي لا يأتي النساء مع القدرة عليهن. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أفضل أعمالكم الصلاة» وقال «أفضل أعمال أمتي قراءة القرآن» وقال «أحب المباحات إلى الله تعالى النكاح» والمباح ما استوى طرفاه، والمندوب ما ترجح فعله ولو كان النكاح عبادة لم يصح من الكافر.
والنكاح فيه شهوة النفس والعبادة فيها مشقة النفس والإقبال على الله تعالى فأين أحدهما من الآخر! ولو كان النكاح مساويًا للنوافل في الثواب لم تكن النوافل مشروعة لأن الطريق المؤدي إلى المطلوب مع بقاء اللذة وعدم التعب أولى بالسلوك، وإن كان الاشتغال بالنكاح أولى من النافلة لأنه سبب لبقاء الأشخاص ونظام العالم. فالاشتغال بالزراعة أيضًا أولى من النافلة للعلة المذكورة. وقد وقع الإجماع على أن واجب العبادة مقدم على واجب النكاح، فكذا مندوبها على مندوبه لاتحاد السبب. وعن النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا أتى على أمتي مائة وثمانون سنة فقد حلت لهم العزبة والعزلة والترهب على رؤوس الجبال» وعنه صلى الله عليه وسلم: «يأتي على الناس زمان لا تنال المعيشة فيه إلا بالمعصية فإذا كان ذلك الزمان حلت العزوبة» حجة أبي حنيفة أن النكاح يتضمن صوت النفس من ضرر الزنا ودفع الضرر أهم من جلب النفع. وأيضًا النكاح يتضمن العدل. وقد ورد في الحديث: «لعدل ساعة خير من عبادة ستين سنة» وقال صلى الله عليه وسلم: «النكاح سنتي» وقال في الصلاة «إنها خير موضوع فمن شاء فليستكثر ومن شاء فليستقلل» ثم إن الأيامى جمع مستغرق لكنهم أجمعوا على أنه لابد من شروط ذكرنا بعضها في سورة النساء في قوله: {وأحل لكم ما وراء ذلكم} [النساء: 24] ومعنى {منكم} أي من حرائركم قاله كثير من المفسرين لأن حكم العبيد والإماء يعقب ذلك. ومنهم من قال: أراد من يكون تحت ولاية المأمور من الولد والقريب. ومنهم من قال: الإضافة لا تفيد الحرية والإسلام.
ثم امر السادة أن يزوجوا أرقاءهم الصالحين. واتفقوا على أنه للإباحة والترغيب لأن في تزويج العبد التزام مؤنة زوجته وتعطل خدمته واستفادة المهر وسقوط النفقة في تزويج الأمة ليس قبوله بلازم على السيد أيضًا، وتخصيص الصالحين بالذكر عناية من الله بحالهم ليتحصن دينهم ويتحفظ عليهم صلاحهم. وأيضًا الصالحون من الأرقاء هم الذين يشفق عليهم مواليهم ويهتمون بشأنهم حتى ينزلوهم منزلة الأولاد. ويجوز أن يراد بالصلاح القيام بحقوق النكاح، ومن جملة ذلك أن لا يكون في غاية الصغر بحيث لا يحتاج إلى النكاح. وإذن السيد لهم أن يزوجوا أنفسهم ينوب عن تزويج السيد. أما قوله: {إن يكونوا فقراء} فالأصح أن هذا ليس وعدًا من الله تعالى بإغناء من يتزوج حتى لا يجوز أن يقع فيه خلف، فرب غني يفقره النكاح ولكن المعنى لا تنظروا إلى فقر من يخطب إليكم ففي فضل الله ما يغنيهم والمال غاد ورائح. على أن مثل هذا الوعد قد جاء مشروطًا بالمشيئة في قوله: {وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء} [التوبة: 28] فالمطلق محمول على المقيد.
وقيل: أراد بالغنى نفس العفاف بتملك البضع الذي يغنيه عن الوقوع في الزنا. وعن طائفة من الصحابة أن هذا وعد. وعن أبي بكر قال: أطيعوا الله فيما أمركم به من النكاح ينجز لكم ما وعدكم من الغنى. وعن ابن عباس: التمسوا الرزق بالنكاح. وشكا رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الحاجة فقال: «عليك بالباءة» وقد يستدل بالآية على أن العبد والأمة يملكان وإلا لم يتصور فقرهما وغناهما. والمفسرون قالوا: الضمير عائد إلى الأحرار خاصة وهم الأيامى، وإن فسر الغني بالعفاف فلا بعد في رجوعه إلى الكل {والله واسع} إفضاله ولكنه {عليم} يبسط الرزق كما يريد وعلى ما ينبغي. وفيه إشارة إلى قيد المشيئة في الوعد المذكور. ثم ذكر حال العاجزين عن القيام بمؤن النكاح بقوله: {وليستعفف} أي ليطلب العفة من نفسه والمضاف محذوف أي لا يجدون استطاعة نكاح ولا يقدرون عليه، أو النكاح يراد به ما ينكح بوساطته وهو المال ولا محذوف. وفي قوله: {حتى يغنيهم} نوع تأميل للمستعففين. وفيه أن فضله من أهل الصلاح والعفاف قريب.
الحكم السابع: المكاتبة: وحين رغب السادة في تزويج الصالحين من العبيد والإماء أرشدهم إلى الطريق الذي به ينخرط العبيد في سلك الأحرار مع عدم الإضرار بالسادة فقال {والذين يبتغون} ومحله إما رفع والخبر {فكاتبوهم} والفاء لتضمن المبتدأ معنى الشرط، وإما نصب بفعل مضمر تفسيره {فكاتبوهم} والفاء للإيذان يتلازم ما قبلها وما بعدها كقوله: {وربك فكبر} [المدثر: 3] والكتاب والمكاتبة كالعتاب والمعاتبة، والتركيب يدل على الضم والجمع لما فيه من ضم النجوم بعضها إلى بعض. وقال الأزهري: هو من الكتابة ومعناه كتبت لك على نفس أن تعتق مني إذا وفيت المال وكتبت لي على نفسك أن تفي بذلك أو كتبت عليك الوفاء بالمال وكتبت عليَّ العتق، وقيل: سمي بذلك لما يقع فيه من التأجيل واجبًا عند الشافعي وندبًا عند ابي حنيفة كما تجيء. والأجل يستدعي الكتابة لقوله: {إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمة فاكتبوه} [البقرة: 282] قال محي السنة: الكتابة أن تقول لمملوكك كاتبتك على كذا ويسمى مالا يؤديه في نجمين أو أكثر ويعين عدد النجوم، وما يؤدى في كل نجم ويقول: إذا أديت ذلك المال فأنت حر وينوي ذلك بقلبه. ويقول العبد: قبلت وفي هذا الضبط أبحاث: الأول قال الشافعي: إن لم يقل بلسانه إذا أديت ذلك المال فأنت حر ولم ينوِ بقلبه ذلك لم يعتق لأن الكتابة ليست عقد معاوضة محضة، فإن ما في يد العبد فهو ملك لاسيد والإنسان لا يمكنه بيع ملكه بعين ملكه. فقوله: كاتبتك كناية في العتق فلابد فيه من لفظ العتق ونيته. وقال أبو حنيفة ومالك وأبو يوسف ومحمد وزفر: لا حاجة إلى ذلك لإطلاق قوله: {فكاتبوهم} وإذا صحت الكتابة وجب أن يعتق بالأداء للإجماع.
الثاني: لا تجوز الكتابة عند الشافعي إلا مؤجلة لأن العبد لا يتصور له ملك يؤديه في الحال. وجوز أبو حنيفة الحلول لإطلاق الآية، ولأنه يجوز العتق على مال في الحال بالاتفاق، فالكتابة ايضًا مثله. الثالث: قال الشافعي: لا تجوز الكتابة على أقل من نجمين. روي ذلك عن علي عليه السلام وعمر وعثمان وابن عمر. وذلك أنه عقد إرفاق ومن تمام الإرفاق التنجيم، وجوز أبو حنيفة على نجم واحد لإطلاق الآية وللقياس على سائر العقود. الرابع: جوز أبو حنيفة كتابة الصبي قال: ويقبل عنه المولى. وذهب الشافعي إلى أنه يجب أن يكون عاقلًا بالغًا لأنه تعالى قال {والذين يبتغون} والصبي لا يتصور منه الطلب. الخامس: جوز أبو حنيفة أن يكاتب الصبي بإذن الولي وشرط الشافعي كونه مكلفًا مطلقًا، لأن قوله: {فكاتبوهم} خطاب فلا يتناول إلا العاقل هذا وللمفسرين خلاف في أن قوله: {فكاتبوهم} أمر إيجاب أو استحباب، فقال قائلون ومنهم عمرو بن دينار وعطاء وداود بن علي ومحمد بن جرير إلى وجوب الكتابة إذا طلبها المملوك بقيمته أو بأكثر وعلم السيد فيه خيرًا، ولو كان بدون قيمته لم يلزمه وأكدوه بما روي في سبب النزول أنه كان لحويطب بن عبد العزى مملوك يقال له الصبيح سأل مولاه أن يكاتبه فأبى فنزلت. ويروى أن عمر أمر إنسانًا بأن يكاتب سيرين أبا محمد بن سيرين، فأبى فضربه بالدرة ولم ينكر أحد من الصحابة عليه. وذهب أكثر العلماء منهم ابن عباس والحسن والشعبي ومالك وأبو حنيفة والشافعي والثوري إلى أنه ندب لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يحل مال امرئ مسلم إلاّ بطيب من قلبه» ولأن طلب الكتابة كطلب بيعه ممن يعتقه في الكفارة فلا تجب الإجابة، وهذه طريقة المعاوضات أجمع. قال العلماء: إذا أدى مال الكتابة عتق وكان ولاؤه لمولاه لأنه جاد عليه بالكسب الذي هو في الأصل له، ومن هنا يكسب مولاه الثواب.
أما قوله: {إن علمتم فيهم خيرًا} قال عطاء: الخير هو المال كقوله: {إن ترك خيرًا} [البقرة: 180] قال: بلغني ذلك عن ابن عباس. وضعف بأنه لا يقال في فلان مال وإنما يقال له أو عنده مال، وبأن العبد لا مال له بل المال لسيده، وعن ابن سيرين: أراد إذا صلى. وعن النخعي: وفاء وصدقًا. وقال الحسن: صلاحًا في الدين. والأقرب أنه شيء يتعلق بالكتابة هكذا فسره الشافعي بالأمانة والقوة على الكسب. ويروى مثله مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وذلك أن مقصود الكتابة لا يحصل إلا بالكسب ثم بالأمانة كيلا يضيع ما يكسبه. واختلفوا أيضًا في المخاطب بقوله: {وآتوهم} فعن الحسن والنخعي وابن عباس في رواية عطاء وهو مذهب أبي حنيفة، أنهم المسلمون والمراد أعطوهم سهمهم الذي جعل الله لهم من بيت المال، ولا بعد في كون المخاطب في أحد المعطوفين غير الآخر ولا في كون أحد الأمرين للاستحباب والآخر للإيجاب.
والسهم الذي يأخذه المكاتب له صدقة ولسيده عوض كما قاله صلى الله عليه وسلم في حديث بريرة «هو لها صدقة ولنا هدية» وعن كثير من الصحابة وهو مذهب الشافعي أن المخاطب هو الموالي والأمر أمر إيجاب فيجب عليهم أن يبذلوا للمكاتبين شيئًا من أموالهم، أو يحطوا عنهم جزءًا من مال الكتابة. ثم اختلفوا في قدره فعن علي عليه السلام أنه كان يحط الربع ومثله ما روى عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن أنه كاتب غلامًا له فترك ربع مكاتبته وعن ابن عمر أنه كاتب عبدًا له بخمسة وثلاثين ألفًا ووضع عنه خمسة آلاف وهو السبع. والأكثرون على أنه غير مقدر ويحصل الامتثال بأقل متمول. عن ابن عباس: يضع له من كتابته شيئًا. وعن عمر أنه كاتب عبدًا له يكنى أبا أمية وهو أول عبد كوتب في الإسلام، فأتاه بأول نجم فدفعه إليه عمرو وقال: استعن به على مكاتبتك. فقال: لو أخرته إلى آخر نجم، فقال: أخاف أن لا أدرك ذلك، وهذا الحط عند الأولين على وجه الندب فلا يجبر المولى عليه وأكدوه بما روى عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده أنه صلى الله عليه وسلم قال «أيما عبد كاتب على مائة أوقية فأداها إلاّ عشر أواق فهو عبد» فلو كان الحط واجبًا لأسقط عنه بقدره، ومثله المكاتب عبد ما بقي عليه درهم. وايضًا لو كان الحط واجبًا فإن كان معلومًا لزم عتقه إذا بقي ذلك القدر وليس ذلك بالاتفاق، ولو كان مجهولًا لكان ما بقي وهو مال الكتابة مجهولًا فلا تصح الكتابة. وأيضًا أمر بالإيتاء من مال الله الذي أتاهم ومال الكتابة ليس بدين صحيح لأنه يصدر العجز عنه فلا يستحق ذلك المال هذا الوصف فصح أن هذا أمر من الله تعالى بذلك للناس، أولهم وللسادة أن يعينوا المكاتب على كتابته بما يمكنهم قال صلى الله عليه وسلم: «من أعان مكاتبًا في فك رقبته أظله الله في ظل عرشه». الحكم الثامن: المنع من إكراه الإماء على الزنا: كان لعبد الله بن ابيّ راس النفاق ست جوار: معاذة ومسيكة وأميمة وعمرة وأروى وقتيلة، يكرهن على البغاء- أي الزنا- فشكت ثنتان منهن معاذة ومسيكة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وحد الإكراه قد مر في سورة النحل في قوله: {إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان} [النحل: 106] والنص وإن كان مختصًا بالإماء إلا أنهم أجمعوا على أن حال الحرائر أيضًا كذلك.
والسؤال المشهور في الآية هو أن المعلق بكلمة أن على الشيء يفهم منه عدمه عند عدم ذلك الشيء فتدل الآية على جواز الإكراه على الزنا عند عدم إرادة التحصن. والجواب بعد تسليم أن مفهوم الخطاب حجة هو أن الإكراه مع عدم غرادة التحصن والتعفف مما لا يجتمعان، فهذا المفهوم قد خرج عن كونه دليلًا لامتناعه في ذاته. وقد يقال: إن غالب الحال أن الإكراه لا يحصل إلا عند إرادة التحصن والكلام الوارد على سبيل الغالب لا يكون له مفهوم الخكاب كما مر في قوله: {فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم} [النساء: 101] وقيل: {إن} بمعنى إذ لأن سبب النزول وارد على ذلك. قال جار الله: أوثرت كلمة أن على إذ إيذانًا بأن المساعيات كن يفعلن ذلك برغبة وطواعية منهن، وأن ما وجد من معاذة ومسيكة من قبيل الشاذ والنادر. وللآية مفهوم آخر وهو أن للسادة إكراههن على النكاح وليس لها أن تمتنع على السيد إذا زوجها. و{عرض الحياة الدنيا} كسبهن وأولادهن {ومن يكرههن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم} لهم على الإطلاق أو بشرط التوبة على أصل الأشاعرة والمعتزلة، أو غفور لهن لأن الإكراه قد لا يكون على حد المعتبر في الشرع من التخويف الشديد فتكون آثمة حينئذ. وحين فرغ من الأحكام وصف القرآن بصفات ثلاث: ألأولى الآيات المبينات أي الموضحات أو الواضحات في معاني الحدود والأحكام وغيرها ولاسيما الآيات التي ثبتت في هذه السورة. الثانية كونه مثلًا من الذين خلوا أي قصة عجيبة من قصصهم فإن العجب في قصة عائشة ليس باقل من العجب في قصة يوسف ومريم وماتهما به. وعن الضحاك أنه أراد بالمثل شبه ما ذكر في التوراة والإنجيل من إقامة الحدود. وعن مقاتل: أراد شبيه ما حل بهم من العقاب إذا عصوا. الثالثة كونه موعظة ينتفع بها المتقون خاصة. اهـ.